فصل: مسألة باع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر ثم اشتراها بخمسة نقدا وستة إلى ذلك الشهر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة العجين بالدقيق هل يجوز فيه السلم:

وسئل ابن القاسم عن العجين بالدقيق فقال الأخير فيه على وجه من الوجوه. قلت وإن تحرى؟ قال الأخير فيه وإن تحرى، فرددته مرارا، فقال إن تحرى فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم.

.مسألة باع طعاما بمائة دينار إلى شهر:

وسألته عن رجل باع طعاما بمائة دينار إلى شهر، فلما حل الشهر اشترى بائع الطعام من رجل آخر طعاما فأحاله عليه بالثمن. قال لا بأس بذلك، قال مالك: وإنما نهى سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وابن شهاب، عن أن يبيع الرجل حنطة بذهب ثم يشتري بالذهب قبل أن يقبض الذهب من بائعه الذي اشترى منه الحنطة؛ فأما أن يشتري بالذهب الذي باع به الحنطة إلى أجل تمرا من غير بائعه الذي باع منه الحنطة قبل أن يقبض منه الذهب، ويحيل الذي اشترى منه التمر على غريمه الذي باع منه الحنطة بالذهب الذي له عليه في ثمن التمر، فلا بأس بذلك؛ قال مالك: وقد سألت عن ذلك غير واحد من أهل العلم، فلم يروا به بأسا؛ قلت لابن القاسم فلو أحال الذي عليه المائة الدينار بائع الطعام على غريم له عليه مائة دينار، فيجوز لبائع الطعام أن يأخذ من الذي احتال عليه بالمائة دينار طعاما؟ قال لا يجوز ذلك، قلت أفيجوز للذي اشترى منه بائع الطعام تمرا وأحاله بثمن التمر على المشتري للطعام؟ أيجوز لبائع التمر أن يأخذ من مشتري الطعام طعاما في المائة التي أحيل بها عليه؟ قال لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: قوله فيمن باع طعاما بمائة إلى شهر، فلما حل الشهر اشترى من رجل آخر طعاما فأحاله عليه بالثمن، أنه لا بأس به صحيح؛ لأنه باع من رجل واشترى من غيره، فلم يكن في ذلك وجه من التهمة؛ ولو اشترى بمائة دينار بعينها طعاما من غيره لجاز أيضا، إذ لم يأخذ الطعام من الذي باع منه الطعام، فيتهم على أنه باع منه طعاما بطعام، فكيف إذا لم يشتر بها بعينها، وإنما اشترى على ذمته، ثم أحاله على ثمن الطعام؟ وليس في قوله في السؤال: فلما حل الشهر، دليل على أن ذلك لا يجوز قبل محل الشهر، بل جائز وإن لم يحل الشهر أن يشتري بها طعاما من غيره، وأن يشتري طعاما بمائة دينار حالة عليه ثم يحيل بها على المائة التي له من ثمن الطعام إلى شهر؛ لأنه يجوز للرجل أن يستحيل بما حل من دينه فيما حل وفيما لم يحل؛ ولما جاء النهي مجملا عن سعيد، وسليمان، وأبي بكر، وابن شهاب، أن يبيع الرجل حنطة بذهب، ثم يشتري بالذهب، قبل أن يقبضها تمرا؛ بين مالك أن معنى قولهم إنما هو إذا اشترى التمر من بيعه الذي باع منه الحنطة بالذهب التي له عليه؛ لأنه إذا فعل ذلك، كان قد أخذ من ثمن الحنطة تمرا، فاتهم على أنه باع منه الحنطة بالتمر إلى أجل؛ وأما إذا اشترى التمر من غير الذي باع منه الحنطة بتلك الذهب التي له عليه،- أي على الذي باع منه الحنطة واشترى التمر بثمن حال عليه، ثم أحال الذي باعه منه بثمنه على الذي باع منه الحنطة فذلك جائز، إذ لا تهمة في ذلك؛ وقول مالك فيما تأوله عليهم، هو نص قوله في موطئه، وهو صحيح على ما بيناه، وقول ابن القاسم إنه لا يجوز للذي وجبت له المائة دينار من ثمن الطعام إذا أحيل بها أن يأخذ من الذي استحال عليها بها فيها طعاما صحيح؛ لأنه غريم غريمه، فلا يجوز له أن يأخذ منه إلا ما كان يجوز له أن يأخذه من غريمه. وأما قوله إنه لا يجوز للذي استحال بثمن التمر على ثمن الطعام أن يأخذ ممن استحال عليه طعاما فذلك بين، إذ لم يكن يجوز أيضا للذي أحاله أن يأخذ من الذي أحاله عليه طعاما؛ وأصل هذا أن من أحال رجلا على رجل بحق له عليه كائنا ما كان، فلا يجوز للمحال أن يأخذ من الذي أحيل عليه إلا ما كان يجوز له أن يأخذ من الذي أحاله، وما كان يجوز للذي أحاله أن يأخذ من المحال عليه؛ إنه ينزل في الدين الذي أحمل به بمنزلة من أحاله، ومنزلته في الدين الذي أحيل به.

.مسألة باع ثوبا بعشرة دنانير إلى شهر ثم استقال صاحبه فأبى إلا بشرط:

ومن كتاب النسمة:
قال ابن القاسم في رجل باع ثوبا بعشرة دنانير إلى شهر، ثم استقال صاحبه، فأبى أن يقيله إلا أن يسلفه عشرة دنانير إلى أبعد من الأجل، أو إلى دون الأجل؛ قال: لا خير فيه، ويدخله بيع وسلف؛ فإن كان إلى الأجل بعينه، فإن ناسا يجيزونه، وناسا يكرهونه؛ وقد كان مالك يتقيه، وأنا أكرهه وأتقيه ولا أحرمه.
قال محمد بن رشد: أما إذا أقاله على أن يسلفه عشرة دنانير حالة، أو إلى دون الأجل، أو إلى أبعد من الأجل، أو أقل من عشرة، أو أكثر؛ فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز، ولا إشكال في وجه الفساد فيه؛ لأنه بيع وسلف عن ظهر يد، فهو صريح البيع والسلف، وفي قوله إنه يدخله بيع وسلف نظر، إذ لا يقال إن هذا الفعل يدخله بيع وسلف، إلا إذا كان ظاهره الصحة ولم يصرح فيه بالبيع والسلف؛ إلا أن ذلك يؤخذ فيه بالاعتبار مثل أن يبيع الرجل سلعة بعشرة دنانير إلى أجل، ثم يقيله منها على أن يزيده المبتاع دينارا نقدا أو إلى أبعد من الأجل؛ وأما إذا أقاله على أن يسلفه عشرة إلى الأجل بعينه، فأجازه أشهب وحمله لما رجعت إليه سلعة بعينها، كأنه اشتراها منه بالعشرة التي دفع إليه؛ فإذا حل الأجل، أخذ منه العشرة التي كان باع بها منه السلعة، وكان ذكر السلف لغوا؛ ومن كرهه اعتبر فساد اللفظ وراعاه؛ وقول أشهب أظهر؛ لأن الفعل إذا كان مستقيما لم ينظر إلى قبيح اللفظ، وهو نص قول مالك في المدونة، وبالله التوفيق.

.مسألة باع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر ثم اشتراها بخمسة نقدا وستة إلى ذلك الشهر:

ومن كتاب أوله يدير ماله:
وقال فيمن باع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر، ثم اشتراها بخمسة نقدا، وستة إلى ذلك الشهر. قال لا بأس به؛ لأنه إذا كان الشهر قاصه بستة من العشرة التي له عليه، واسترجع منه أربعة، فليس في هذا تهمة أن يعطي خمسة ويأخذ أربعة، ولو كان باعها بخمسة نقدا وخمسة إلى شهر، ثم اشتراها بخمسة نقدا وبستة إلى شهر، لم يكن فيه خير، إلا أن يكونا في مجلسهما ذلك لم يتفرقا ولم يغب على الدينار، فلا بأس به؛ لأن هذا حينئذ باع سلعة ابتداء بستة إلى شهر، فإذا كان الشهر، قاصه بخمسة مما له عليه واسترجع دينارا، فكان ثمن السلعة إنما هو دينار، فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قال؛ لأنهما بيعتان صحيحتان في الظاهر، فإذا ظهر فيهما بمجموعها فساد، اتهما على القصد إليه، فلم يجز ذلك من فعلهما؛ وإذا لم يظهر فيهما بمجموعها فساد، جاز ذلك من فعلهما؛ والمسألة الأولى آل الأمر فيها بينهما إلى أن رجعت للبائع سلعته بعينها، وكان قد دفع إلى المبتاع خمسة نقدا ويأخذ منه إذا حل الأجل أربعة؛ فلا يتهم أحد في دفع خمسة في أربعة، والمسألة الثانية معناها أنه باع السلعة بخمسة نقدا، وخمسة إلى شهر، فانتقد الخمسة وبان بها وغاب عليها، ثم لقيه بعد ذلك فاشتراها منه بخمسة نقدا وستة إلى شهر؛ فوجب ألا يجوز ذلك؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن رجعت إلى المبتاع سلعته بعينها، ودفع المبتاع إلى البائع خمسة نقدا؛ فانتفع بها وردها إليه ويعطيه دينارا إذا حل الأجل، فاتهما على أنهما قصدا إلى أن سلفه خمسة دنانير، على أن يعطيه دينارا إذا حل الأجل؛ فإن كان لم ينقده الخمسة الدنانير، أو كان قد نقده إياها، فلم يغب عليه جاز ذلك؛ لأن الأمر آل إلى أن سلعته بعينها، ويعطيه إذا حل الأجل دينارا دون أن يسلفه شيئا أو يغيب له عن شيء. وقوله فيها واسترجع دينارا، اللفظ وقع على غير تحصيل، إذ لم يدفع إليه شيئا يسترجع منه الدينار، وإنما كان حق الكلام أن يقول فإذا كان الشهر قاصه بالخمسة من الستة التي له عليه وأخذ منه الدينار الزائد. وكذلك قوله فكان ثمن السلعة إنما هو دينار، كلام وقع أيضا على غير تحصيل، والمراد به: فكان الذي ربح معه في السلعة إنما هو دينار؛ لأن الدينار إنما هو ربح في السلعة للمبتاع لا ثمن لها؛ وذلك أنه لما اشترى منه السلعة بخمسة نقدا وخمسة إلى شهر، ثم اشتراها منه البائع بخمسة نقدا وستة إلى شهر؛ كانت الخمسة النقد بالخمسة النقد مقاصة، والخمسة التي إلى شهر بخمسة من الستة التي إلى شهر مقاصة أيضا، ويبقى للمبتاع الأول قبل البائع دينار ربح ربحه معه في السلعة يأخذه منه.

.مسألة السلف في الخوخ:

وقال في الخوخ لا بأس به اثنين بواحد أخضر كله، أو يابس كله؛ وعين البقر كذلك، ولا خير في رطبه بيابسه من صنف واحد؛ لأن ذلك مخاطرة؛ فهو وإن كان يصلح متفاضلا، فلا يصلح رطبه بيابسه، وإنما هو بمنزله التين الرطب لا بأس به واحد بواحد أخضر كله، أو يابس كله؛ ولا خير في رطبه بيابسه وإن كان واحدا بواحد، للحديث أيضا أنه نهي عن الرطب باليابس، وهو بمنزلة الرطب بالتمر يابسا أيضا.
قال محمد بن رشد: أما الرطب باليابس من الصنف الواحد الذي لا يجوز فيه التفاضل، فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز لما جاء في الحديث من أن «رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا نعم، قال فلا إذا». وأما الرطب باليابس من الصنف الواحد الذي يجوز فيها التفاضل كالتفاح، والخوخ، وعيون البقر، وشبهها؛ فاختلف فيه على ثلاثة أقوال، أحدها: أن ذلك لا يجوز وإن تبين التفاضل، وهو دليل احتجاجه في هذه الرواية، وفي سماع أصبغ بعد هذا، لعموم لفظ النهي عن الرطب باليابس. والثاني أن ذلك جائز وإن لم يتبين الفضل بينهما، وهو قول ابن القاسم في رسم باع شاة بعد هذا، فمنه ما يجوز فيه التفاضل بالتحري. والثالث أن ذلك جائز إن تبين الفضل بينهما، وغير جائز إن لم يتبين الفضل بينهما؛ وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع في القرط الرفيع بالقرط اليابس، والتفاح الأخضر بالتفاح المقدد؛ وهو دليل اعتلاله في هذه الرواية، وفي سماع أصبغ أيضا بالغرر، والمخاطرة، والمزابنة؛ وقياسه فيها الخوخ وعيون البقر على التين والتمر بعيد؛ لأن التمر لا يجوز فيه التفاضل، فلا خلاف في أنه لا يجوز بالرطب على حال. وكذلك التين لا يجوز فيه أيضا التفاضل؛ لأنه مما ييبس ويدخر؛ روى ذلك ابن وهب عن مالك، فالأخضر منه باليابس لا يجوز أيضا على حال؛ وقد قيل إن ذلك كله ليس باختلاف من القول، وإنما يرجع ذلك إلى أنه إن تبين الفضل بينهما وسلما من المزابنة جاز، وإن لم يتبين الفضل بينهما لم يجز، وإلى هذا ذهب الفضل؛ وأما الرطب باليابس من صنفين كانا مما يجوز فيه التفاضل، أو مما لا يجوز فيه التفاضل، فلا اختلاف في جوازه بكل حال.

.مسألة باع ثوبين بسلعة موصوفة إلى أجل:

وسألته عمن باع ثوبين بسلعة موصوفة إلى أجل، ثم باع تلك السلعة قبل الأجل من صاحبها الذي هي عليه بثوب من صنف ثوبيه، قال لا بأس به، وإنما هو بمنزلة دينارين في سلعة إلى أجل، ثم باعها منه بدينار، فليس في هذا شيء.
قال محمد بن رشد: إنما جاز هذا؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن دفع البائع إلى المبتاع ثوبين، ثم أخذ منه بعد ذلك ثوبا واحدا من صنف ثوبيه، وإلى أن دفع المسلم إلى المسلم إليه دينارين، ثم أخذ منه بعد ذلك دينارا واحدا؛ ولا يتهم أحد في أن يدفع ثوبين في ثوب من صفته إلى أجل، ولا دينارين في دينار واحد إلى أجل، وإن كان لا يجوز أن يسلم الرجل ابتداء دينارين في دينار واحد إلى أجل، ولا ثوبين في ثوب من صنف ثوبيه إلى أجل؛ فقف على هذا واعرفه، وقد تقدم قبل هذا في رسم أسلم، وبالله التوفيق.

.مسألة باع من رجل شيئا من العروض ثم يندم مبتاعه قبل أن ينقده الثمن:

ومن كتاب البراءة:
قال عيسى: وسألته عن رجل باع من رجل شيئا من العروض مما يكال أو يوزن، أو مما لا يكال ولا يوزن مما عدا الطعام؛ ثم يندم مبتاعه قبل أن ينقده الثمن، فيريد أن يعطيه دينارين أو ثلاثة على أن يقيله من سلعته؛ أيجوز ذلك له، وإنما اشتراه بدينار أو يعطيه دراهم، وإنما كان اشتراه منه بالدنانير؟ قال إن كان الثمن نقدا فلا بأس به أن يزيده ما شاء معجلا ولا يكون مؤخرا، فإنه إن كان الذي باعه به ذهبا فأخر عنه ما يزيده من الذهب، كان بيعا وسلفا؛ وإن زاده ورقا متأخرا، كان ذهبا بورق إلى أجل وعرضا معجلا؛ وإن زاده عرضا مؤخرا، كان دينا بدين؛ ولا يصلح في هذا، إلا أن يكون كل ما زاده معجلا؛ وإن كان الثمن إلى أجل، فكان الثمن ذهبا أو ورقا، فإن كان الثمن ذهبا؛ فلا يزيده ذهبا نقدا ولا إلى دون أجلها، ولا إلى أبعد من أجلها، ولا مخالفة لسكتها؛ ولا يصلح إلا أن يكون الذي يزيده مثل نقده في عينه وجودته إلى أجله، ولا يزيده ورقا نقدا ولا إلى أجل دون أجلها، ولا إلى أبعد من الأجل؛ وإن كان الثمن ورقا يزيده دراهم نقدا ولا إلى دون أجلها، ولا إلى أبعد من أجلها، وهي في الورق بمنزلتها في الذهب، مجراهما واحد؛ ولا بأس أن يزيده عرضا معجلا ولا يؤخره، وإن كان الثمن عرضا فلا يزيده عرضا يشبه العرض الذي له عليه نقدا، ولا إلى دون الأجل، ولا إلى أبعد من الأجل، ولا بأس به إلى الأجل؛ لأنه يجري مجرى الذهب والورق، ولا بأس أن يزيده عرضا نقدا مخالفا للعرض الذي له عليه يعجله ولا يؤخره؛ قال وإن كان البائع هو الزائد، فلا بأس أن يزيده ذهبا أو ورقا أو عرضا معجلا أو مؤخرا، إلا أن يكون ذلك العرض يشبه العرض الذي يستقيله منه، فإن كان يشبهه فلا خير فيه إلى أجل؛ ولا بأس به معجلا، وذلك أنه يبتاع منه سلعة بعشرة دنانير عينا عليه، وبدينار زاده إلى أجل أو نقدا؛ قال وهو مثل ما لو كان لي عليك عشرة دنانير إلى أجل، فابتعت منك سلعة بالعشرة دنانير التي لي عليك، ودينارين إلى أجل؛ فافهم واستعن بالله يعينك، والله الموفق، اللهم عونك يا معين.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم في الطعام، وحكم المكيل والموزون من غير الطعام في استقالة البائع والمبتاع بزيادة ممن كانت منهما، كحكم الطعام في ذلك بعد استيفائه بالكيل أو الوزن على ما قد ذكرناه هناك، لجواز بيع المكيل والموزون من غير الطعام قبل استيفائه على مذهب مالك، فلا معنى لإعادته.

.مسألة الرجل له الذهب بالمدينة أراد أن يشتري بها زيتا بالشام:

ومن كتاب الجواب:
وسألته عن الرجل من أهل الأندلس يكون له المال الموضوع بمصر عند القاضي أو عند رجل وضعه له القاضي عنده من موروث أو غير ذلك؛ هل يجوز للرجل أن يشتريه منه بالأندلس بعرض ويخرج إليه؟ قال ابن القاسم سئل مالك عن الرجل له الذهب بالمدينة عند قاضيها أراد أن يشتري بها زيتا بالشام، أو طعاما ولا يدري ما حدث على الذهب؟ قال مالك لا خير في ذلك. فقيل له فكيف العمل في ذلك والصواب؟ قال يتواضعان الزيت والطعام على يد رجل ثم يخرج إلى الذهب، فإن وجدها تم البيع بينهما؛ قال ابن القاسم فإن تواضعا العرض على يد غيرهما لم يكن به بأس، ويخرج إلى الذهب، فإن وجدها تم البيع، وإن لم يجدها فأخلف له مكانها، وأعطاه عرضا منها، لزم ذلك بائع العرض على ما أحب أو كره، وإن كان بائع الدنانير الغائبة يقبض العروض ولا يتواضعانها، فلا يحل ذلك إلا أن يكون ضامنا للدنانير إن لم توجد أعطاه مكانها غيرها؛ فإن كان كذلك فلا بأس به؛ وإن كان بائع الدنانير الغائبة فلا يقبض العرض، ولا يمكنه منه صاحبه، ولا يتواضعانه ولا يخرج من يده، لم يكن بذلك بأس؛ وخرج إلى الدنانير، فإن وجدها لم يقبضها حتى يقبض المشتري العرض؛ لأنه يصير حينئذ كمن اشترى سلعة غائبة بدنانير، فلا يصلح النقد فيها حتى تقبض السلعة أو تحضر.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة حسنة وقد مضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم ما فيه بيان لها، فلا معنى لإعادته.

.مسألة سلف عشرة دنانير في طعام إلى أجل:

ومن كتاب أوله إن أمكنتني:
وقال في رجل سلف عشرة دنانير في طعام إلى أجل، فلما حل الأجل، قال: بعني طعاما أقضيكه، فباعه بعشرة دنانير نقدا فقضاه عشرة. قال إذا باعه بعشرة دنانير مثل نقده فلا بأس به؛ لأنها إقالة، فإذا باعه بأحد عشر دينارا فإنه حرام؛ لأنه باع عشرة بأحد عشر إلى أجل وهو بيع الطعام قبل استيفائه؛ وإذا باعه بتسعة لم يحل أيضا؛ لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى.
قال محمد بن رشد: قوله فباعه بعشرة دنانير نقدا فقضاه عشرة، معناه فنقده العشرة التي اشترى منه بها الطعام وقضاه الطعام فيما كان له عليه من السلم على ما شرط عليه؛ وعلى هذا أتى جوابه، وقد مضى القول على هذه المسألة في أول مسألة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، والله الموفق.

.مسألة اشترى من رجل سلعة بثمن إلى أجل:

ومن كتاب القطعان:
قال عيسى وسمعت ابن القاسم وسئل عن رجل اشترى من رجل سلعة بثمن إلى أجل، ثم إن البائع أمر رجلا أن يشتري له سلعة بنقد ودفع إليه دنانيره فاشتراها المأمور من المشتري بأقل من الثمن الذي كان ابتاعها به المشتري، وقد علم المأمور أن الأمر باعها منه أو لم يعلم وقد فاتت السلعة، قال لا خير فيه.
فإن أدرك، فسخ البيع؛ وإن لم يدرك، لم أر له عليه إلا رأس ماله؛ ولا ينبغي له أن يدفع إلى رجل ذهبا يسيرة في أكثر منها إلى أجل، ويجعل السلعة محللة لذلك، وإن لم يعلم المشتري بأن البائع هو الذي أدخل ذلك عليه، فذلك سواء؛ قال ابن القاسم: وقد سئل مالك عن الرجل يبيع من الرجل السلعة بثمن إلى أجل، ثم يشتريها من المشتري رجل عندهم قاعد، فإذا وجب البيع ونقده، سأله البائع الأول أن يبيعها منه بربح؛ فكره ذلك كراهية شديدة وقال: لا خير فيه. فهذا إنما هو بمنزلة التحليل، فمسألتك مثلها في القياس؛ فإن قال قائل إن المشتري لم يظن أنه اشتراها منه رسول البائع، فقد اشترى البائع الأول سلعته من رجل ليس هو رسول له، وهذا أدنى مما سألته عنه، فلا أرى له إلا رأس ماله.
قال محمد بن رشد: إنما ساوى بين أن يعلم المأمور أن الآمر باعها؛ أو لم يعلم ذلك؛ وبين أن يعلم المشتري أنه رسول للبائع، أو لم يعلم، وقال إن ذلك كله سواء؛ لأنه لا يصدق واحد منهما في أنه لم يعلم؛ لأن السلعة قد رجعت أيضا إلى صاحبها البائع لها أولا، وظهر المكروه من فعلهم، فهم كلهم متهمون فيه، كالمسألة التي احتج بها في ذلك، وقد تكلمنا عليها في رسم حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها من سماع ابن القاسم. وقوله فإن أدرك، فسخ البيع؛ يريد إن أدركت السلعة قائمة بيد البائع الأول فسخ البيع الثاني، وردت السلعة إلى المشتري الأول. وقوله وإن لم يدرك لم أر له عليه إلا رأس ماله. يريد بقوله وإن لم يدرك أي وإن لم يدرك السلعة بيده، وكانت قد فاتت ولم يبين بماذا تفوت به، وقد مضى القول على ذلك في رسم حلف ليرفعن أمرا من سماع ابن القاسم. وقوله لم أر له عليه إلا رأس ماله، ظاهره وإن كانت قيمتهما أكثر من الثمن الذي باعها به أولا، مثل ظاهر قول مالك، وما تأول أبو إسحاق التونسي على ابن القاسم؛ وقد مضى القول على ذلك، وذكر الاختلاف فيه في رسم حلف المذكور، فلا وجه لإعادته.

.مسألة تباع الأرض إذا كان فيها زرع صغير بطعام:

قال ابن القاسم تباع الأرض إذا كان فيها زرع صغير بطعام إذا كان ذلك الزرع يئول إلى الطعام، وإن كانت الأرض بيضاء، فلا بأس أن يشتريها بطعام نقدا أو إلى أجل.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، وسحنون يجيز ذلك على أصله في إجازة بيع السيف المحلى بالذهب نقدا أو إلى أجل إذا كان الذي فيه من الذهب الثلث فأقل، وفي إجازته بيع الحائط بثمرته قبل أن يبدو صلاحها بطعام نقدا أو إلى أجل؛ وهو مذهب ابن الماجشون، وهو وجه القياس؛ لأنه إذا جاز أن يباع الزرع وهو صغير بالدنانير والدراهم مع الأرض، لكونه تبعا للأرض؛ وكأنه لم يقع عليه حصة من الثمن، جاز أن يباع بالطعام لكونه تبعا للأرض؛ فكأنه لم يقع أيضا عليه حصة من الثمن؛ وأما بيعها بيضاء، لا زرع فيها، فلا اختلاف في جواز بيعها بالطعام نقدا وإلى أجل، بخلاف الكراء.

.مسألة اشترى قمحا إلى أجل فلما حل الأجل قال المشتري للبائع أقلني:

قال ابن القاسم في رجل اشترى قمحا إلى أجل، فلما حل أجل الطعام، قال المشتري للبائع إني أخاف الوضعية فأقلني، فقال البائع للمشتري لا وضيعة عليك، خذ بعض هذا القمح فبعه فما نقصت، دفعت ذلك إليك، ودفعت إليك بقية قمحك، قال ابن القاسم لا بأس به، وهو بمنزلة ما لو دفع إليه الطعام كله ثم قال له بع فلا نقصان عليك، وما وضعت فيه وضعت عنك.
قال محمد بن رشد: قوله اشترى قمحا إلى أجل يريد سلم في قمح إلى أجل، وهذه مسألة قال فيها أبو عمر الأشبيلي إنها مخالفة لما في السلم الثاني من المدونة. يريد مسألة الذي سلم مائة درهم في مائة إردب، ثم لقيه بعد ذلك فاستزاده، فزاده مائة إردب إلى محل أجل الطعام، أو قبله أو بعده؛ لأنه قال فيها لا بأس بذلك؛ لأنه لو اشترطه في أصل السلف لم يكن بذلك بأس؛ فاقتضى تعليله أنه لا يجوز أن يزيده دنانير ولا دراهم، إذ لا يجوز أن يشترط ذلك في أصل السلف؛ وأجاز في هذه المسألة أن يدفع المسلم إليه للمسلم ما نقص في الطعام من رأس ماله دنانير كان أو دراهم؛ وهو لو اشترط ذلك في أصل السلم لم يجز؛ لأنه كان يدخله البيع والسلف؛ لأن ما أعطاه من الدنانير يكون سلفا رده إليه وما بقي سلما، ولا أقول إن ذلك اختلاف من القول، والمعنى في ذلك عندي أنه تكلم هاهنا على ما يجوز له فيما بينه وبين الله؛ فقال إنه لا بأس عليه أن يأخذ منه ما وضع له إن كان لم يعمل معه على بيع وسلف، وقد تكلم في المدونة على ما يوجب الحكم من أنه لا يقضي عليه بشيء مما زاده. إلا أن تكون تلك الزيادة مما لو اشترطها في أصل السلم جازت، ولو أبى المسلم إليه في هذه المسألة على معنى ما في المدونة أن يدفع إليه ما أوجب له من ذلك على نفسه لم يحكم عليه بذلك، لاحتمال أن يكون عقدا سلمهما على ذلك.

.مسألة اشترى من رجل طعاما ما مضمونا إلى أجل يوفيه إياه بموضع سماه له:

قال ابن القاسم في رجل اشترى من رجل طعاما ما مضمونا إلى أجل يوفيه إياه بموضع سماه له، ثم أعطاه بعد ذلك دنانير على أن يتكارى لذلك الطعام ويحمله إلى بلد آخر، قال ابن القاسم إن كان يوفيه إياه بالموضع الذي شرط له في أول، ثم يتكارى له بعد استيفائه إياه من يحمله له إلى موضع آخر، فلا بأس به؛ لأن الضمان على المشتري وقد برئت منه ذمة البائع؛ وإن لم يستوف منه بالموضع الذي شرط عليه أو لا حتى تكارى له، وحمله له إلى الموضع الآخر، فلا خير فيه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها؛ لأنه إذا كان يوفيه الطعام في الموضع الذي شرط عليه أن يوفيه فيه، فإنما هو متطوع له في تمون الكراء عليه من ذلك الموضع بالدنانير التي دفع إليه بعد أن برئت منه ذمته، وحصل في ضمان صاحبه؛ فذلك جائز لا بأس به، وإن كان إنما يقضيه منه بالموضع الذي سأله أن يتكارى له عليه إليه، صار قد اشترى منه الطعام بذلك الموضع بالطعام الذي كان له عليه في الموضع الذي كان شرط عليه في أصل السلم أن يوفيه، وبالدنانير التي دفع إليه عن الكراء؛ لأنه إذا كان لا يقبض منه الطعام إلا في الموضع الذي أراد أن يحمله له إليه، فإنما يكرى على طعام نفسه، وإن شاء لم يكر، وهذا بين، وبالله التوفيق، لا إله إلا هو.

.مسألة ليس بين الذكر والأنثى اختلاف في شيء من الأشياء:

ومن كتاب أوله باع شاة:
قال عيسى قال لي ابن القاسم ليس بين الذكر والأنثى اختلاف في شيء من الأشياء حتى يحل من ذلك واحد في اثنين إلى أجل في شيء من الأشياء: لا في الرقيق، ولا في الدواب، ولا في الأنعام، ولا في الماشية، ولا في الطير؛ وإنما الذكر والأنثى إذا كان من صنف واحد هو واحد، لا يجوز أحد باثنين من صنفه، إلا أن يختلف في غير ذلك؛ قلت له صف لي ما الاختلاف في الرقيق من الجواري والعبيد الذي إذا بلغته، جاز منه واحد إلى أجل باثنين، وهل اختلاف الأجناس والجنس، واختلاف الأثمان اختلاف، يجوز من ذلك واحد باثنين إلى أجل؛ قال ابن القاسم ليس اختلاف الأجناس في الرقيق، ولا اختلاف الأثمان، ولا اختلاف الصباحة بالذكور، ولا في الإناث بشيء، ولا يجوز شيء من هذه الوجوه واحد باثنين إلى أجل، وإنما الاختلاف في هذا الذي يجوز منه واحد باثنين إلى أجل؛ فأما في الرقيق الذكور، فالتجارة، والفصاحة، والنفاذ في الأمور؛ فإذا كان فصيحا، تاجرا نافذا، فلا بأس أن يباع الواحد باثنين وبأكثر من ذلك إلى أجل، من ذكور وإناث ليسوا مثله في التجارة، والفصاحة؛ ولا نبالي كانوا من جنسه أو من غير جنسه. قلت فالجارية الصبيحة العربية التي ثمنها ألف دينار بجاريتين وخشيتين ليستا من جنسها ولا بحسنها إلى أجل؛ قال ليس الحسن ولا الفصاحة شيئا، لو كان لجارية ثمان ألف دينار لحسنها وفصاحتها، وليس في يديها صنعة من طبخ ولا خبز ولا رقم، لم تحل بجاريتين ثمن عشرين دينارا إلى أجل؛ قال وليس اختلاف الجنوس بشيء، لا تحل جارية نوبية ليس في يديها صنعة من طبخ ولا خبز ولا رقم وإن بلغ حسنها ما يكون ثمن ألف دينار بجاريتين صقليتين ولا بربريتين، ولا شيء من الأجناس. قلت أفيحل أن يعطي جاريتين أو ثلاثا طباخات خبازات بجارية ليس في يديها عمل إلى أجل؟ قال: ليس بذلك بأس. قلت فهل يجوز الصغير بالكبير أو الكبير بالصغير من الرقيق إلى أجل؟ قال ابن القاسم ليس الصغر والكبر اختلافا في الرقيق، ولا يجوز صغير في المهد بكبير، ولا كبير بصغير حتى يكون الكبير تاجرا فصيحا كما أخبرتك ليس الكبر والصغر اختلافا في الرقيق حتى يجوز واحد من ذلك باثنين إلى أجل؛ قلت له فهل الغزل أو العمل للطيب صنعة في الجواري؟ قال ليس عمل الطيب بشيء؛ وأما الغزل فجميع النساء يغزلن، فليست بصنعة والذي سمعت إذا كان كانت طباخة وخبازة؛ وأنا أرى الرقم وما أشبه ذلك من الصنعة. قلت فالجارية التي تقرأ وتكتب؛ قال ليس هذا بصنعة، وإنما الصنعة ما أخبرتك في الجواري في الطبخ والخبز والرقم، وما أشبه ذلك؛ وفي الذكور التجارة، والفصاحة، والنفاذ. قلت أرأيت إن كان العبد تاجرا وليس بفصيح، أو كان فصيحا وليس بتاجر، أو عبدا فصيحا تاجرا بجاريتين أو ثلاث خبازات طباخات. قال أصل ذلك في الذكور التجارة، ولا نبالي كان فصيحا أو غير فصيح؛ وأما إذا كان فصيحا ليس بتاجر فليس ذلك بشيء؛ وأما العبد التاجر بالجاريتين الطباختين فلا بأس به؛ لأنه قد اختلفت صناعتهم؛ قلت فالجارية الطباخة بالجاريتين الخبازتين؟ قال لا خير فيه؛ لأن هذا كله بعضه قريب من بعض، إلا أن تكون رقامة أو صناعة.
قال محمد بن رشد: اتفق مالك وأصحابه وجل أهل العلم على أنه لا يجوز سلم الجنس الواحد بعضه في بعض من الحيوان والعروض، إلا أن تختلف وتتباين تباينا متفاوتا، تختلف فيه الأغراض والأسواق، فيمكن أن يتفق أحد الصنفين دون الآخر فيكونا في معنى الجنسين الذي لا يتيقن فيه الفضل لأحد المتبايعين، لإمكان نفاق كل واحد منهما دون صاحبه عند الأجل؛ لأنه إذا سلم الصنف في مثله أكثر عددا أو أفضل صفة، لم يكن بيعا وكان سلفا جر منفعة، لتيقن المنفعة فيه للدافع؛ فكان إنما أسلف ذلك الشيء على أن يأخذ فيه أكثر من عدده أو أفضل من صفته، وذلك حرام لا يحل ولا يجوز، «لنهي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن سلف جر منفعة»، مبينا لما في كتاب الله من الربى الذي حرمه فيه؛ وإن سلفه في مثله أقل عددا أو أدنى صفة، كان المسلم لذلك الشيء إنما ترك له كثرة عدده أو فضل صفته ليحرزه له في ضمانه إلى ذلك الأجل، فكان ما ترك له من ذلك ثمنا للضمان، وذلك غرر وحرام؛ هذه جملة الاختلاف فيها بينهم، وقد يختلفون فيما يتباين فيه الصنف الواحد فيراه بعضهم يسيرا لا يخرجه إلى صنف آخر، ويراه بعضهم كثيرا يخرجه إلى صنف آخر بالاجتهاد الذي تعبد الله به العلماء من عباده فيما لا نص له فيه؛ إذ ليس في ذلك حد يرجع إليه في الكتاب والسنة ولا في الإجماع، كالصباحة والحسن في الجواري، لم ير ذلك ابن القاسم اختلافا يجوز به سلم القليل في الكثير إلى أجل ورأى ذلك ابن حبيب اختلافا فيها يجوز به ذلك، وكالقراءة والكتاب، الظاهر من هذه الروايات، أن ذلك ليس باختلاف في الذكور ولا في الإناث، ورآه ابن حبيب اختلافا في الذكور والإناث؛ وحكى عن ابن القاسم أنه اختلاف في الذكور دون الإناث، فالرقيق كلهم ذكورهم وإناثهم، صغارهم وكبارهم، صنف واحد عند ابن القاسم وإن اختلفت أجناسهم وألوانهم وصباحتهم؛ ما لم يختلفوا في صنائعهم، كالعبد التاجر النافذ في الأمور، أو الصناع بيده كالنجار والخياط أو الأمة الرقامة، أو النساجة، أو الخبازة، أو الطباخة؛ فيجوز من ذلك كله سلم ما له صنعة فيما لا صنعة له، وما له صنعة فيما له صنعة إذا افترقت الصنع وتباينت؛ فهذه جملة في هذا الباب، وأصل يقاس عليه ويرجع إليه؛ وإنما كان الصغير والكبير من الرقيق صنفا واحدا بخلاف الدواب؛ لأن الدابة لا ينتفع بها قبل الركوب، والصغير ينتفع به وهو صغير قبل البلوغ، ولما لم يكن في ذلك حر وكان يختلف اختلافا متباينا حمل الباب كله محملا واحدا، فجعل الصغير مع الكبير صنفا واحدا وإن كان معهودا؛ وأيضا فإن النفاق فيهم بمنزلة سواء، إذا نفق الصغير، نفق الكبير؛ وإذا كسد الصغير، كسد الكبير، وهذه هي العلة عندي في كون الذكور والإناث صنفا واحدا وإن كانت الأغراض في ذلك مختلفة.